وقال: الدنيا المحمودة هي التي يصل بها إلى فعل خير، أو ينجو بها من فعل شر.
والدنيا المباحة هي التي لا يقع بسببها في ترك مأمور ولا ركوب محظور، والدنيا المذمومة على لسان الكتاب والسنة، هي التي يقع بسببها في ترك طاعة أو فعل معصية.
وقال: من الناس من يكتفي بالإشارة عن التعيين، ومنهم من يحتاج إلى التصريح مع الرفق واللين، ومنهم من لا يجدي فيه إلا التعنيف والتخشين، ومن لم ينتفع بذا ولا بذاك، فهو من الشياطين، ولهؤلاء الأربعة أمثال من البهائم.
فمَثلُ الأول: مَثلُ الدابة المذلّلة، تستغني عن أن تلجمها أو تضربها.
ومَثلُ الثاني: مَثلُ الدابة التي تكتفي بالخطام دون الضرب.
وَمَثلُ الثالث: مَثلُ الدابة التي لا تستقيم إلا بالضرب والزجر.
ومَثلُ الرابع: مَثلُ الدابة التي إن خطمتها أو ضربتها ازدادت نفوراً.
وقال: إن شئت أن تكون حُرّاً فاترك كل أمر، إن لم تتركه اختياراً تركته اضطراراً.
وقال: ما عُرِف قدر الشيء بمثل ضده، ولا تسلى المصاب بمثل ذكر من أصيب بمثل مصيبته.
وقال: من أشغله حقُّ ربه عن حقوق نفسه وحقوق إخوانه، فهو عبد الحضرة.
ومن أشغله القيام بحق نفسه عن القيام بحق ربه وحق إخوانه، فهو عبد الشهوة.
ومن أشغله القيام بحقوق إخوانه عن القيام بحقوق ربه وحقوق نفسه، فهو عبد الرياسة.
ومن أشغله القيام بحقوق ربه وحقوق إخوانه عن القيام بحقوق نفسه، فهو صاحب وراثة.
وقال: عجباً لمن يطلب الدنيا وهو من تحصيلها على وَهْمٍ، ومن الانتفاع بما حصله منها على شك، ومِن تَركِها والخروج منها على يقين.
وقال: من تعوَّد نقض العزائم حيل بينه وبين الغنائم.
وقال: إذا دعتك نفسك إلى شهوة، فإياك أن تقول أجيبها في هذه، وأفرِّغ القلب من مطالبتها، فإنك إن أجبتها إليها دعتك إلى أعظم منها.
وقال: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يجد في معاملة الحق ما يجد أهل الشهوات في شهواتهم من اللذة والحلاوة.
وقال: المؤونة في كتمان السر أقل من المؤونة في تخوُّفِ إفشائه، ممن تطلعه عليه.
وقال: أدل دليل على كمال عقل الرجل، ثناؤه على أقرانه، وأَدلُّ دليل على تواضعه رضاه بالتأخير في موطن يستحق فيه التقديم، وأَدلُّ دليل على إخلاصه عدم المبالاة بإسخاط الخلق في جنب الحق.
وقال: الدنيا شيئان لا ثالث لهما، أحدهما: حب المال، والآخر: حب الجاه. فمن زهد في المال والجاه، فهو صِدِّيق. ومن زهد في المال دون الجاه، فهو مُراءٍ. ومن زهد في الجاه وأحب المال، فهو لئيم. ومن أحبَّ المال والجاه كان أصغر عقوبته حرمانهما.
وقال: الأراضي ثلاث. أرض إذا سُقِيَت أنبتتِ العشب والكلأ.
ومَثلُها من الناس؛ الذي يتعلم ويفهم في العلم. فكما أن النبات ليس عين الماء، ولكن الماء سبب حصوله. فكذلك الفهم ليس عين العلم، ولكن عن العلم يكون.
والأرض الثانية تمسك الماء ولا تنبت الكلأ.
ومَثلُها من الناس؛ مَثَلُ الذي يحفظ العلم ولا يفهم فيه.
وإذا رأيت العالم لا يزيد على ما يسمع، فهو ذاك. وإذا رأيته يزيد عليه شيئاً يوافق ما سمع من العلم، فهو الأول.
والأرض الثالثة أرض لا تنبت الكلأ ولا تمسك الماء.
وَمَثلُها من الناس؛ مَثلُ من لا يحفظ العلم، ولا يفهم فيه. فإلقاء العلم إلى من هذه صفته إضاعة للعلم. فكما أن رب الأرض التي هذه صفتها لا يسقيها. ويرى أن سقيها من الإضاعة، كذلك ينبغي أن لا يُلقى العلم إلى من يضيعه، بل أولى.
وقال: لا تثبت الدعاوي بالأقوال حتى تقوم بإثباتها البيِّنة من الأفعال والأعمال.
وقال: إذا ادَّعت نفسك أنها لا تفرق بين وجود الشيء وعدمه، فلا تقنع منها بذلك حتى تختبرها بالأمرين جميعاً.
وقال: لولا العلامات لادَّعى كل واحد ما ليس عنده. ولكن بالعلامات والأمارات يُفَرَّق بين الصادق والكاذب.
وقال: من تيسَّرت له مطالبه الأخروية، وتعسَّرت عليه مطالبه الدنيوية، فهو من ورثة النبيين.
ومن تيسَّرت مطالبه الدنيوية والأخروية، فهو من أصحاب اليمين.
ومن تيسَّرت له مطالبه الدنيوية، وتعسَّرت عليه الأخروية، فهو من المستدرَجين.
ومن تعسَّرت عليه مطالبه الأخروية والدنيوية، فهو من الممقوتين.
وقال: شر الفقراء من يودُّ أنه من الأغنياء، وخير الأغنياء من لا يكره أن يكون من الفقراء.
وقال: من أمسك عن تناول فضول الشهوات، ولم ينفق ما في يديه من فضول الأموال؛ فهو محروم.
والذي يتمتع بما في يده من الدنيا، وينفقه في شهواته المباحة أحسن حالاً منه.