وقال: من أرضاك بما يضرك في دينك- كالمداهنة لك وعدم النصح والتبصير بالعيوب- فهو لك عدو، وإن كانت نفسك تميل إليه من حيث طبعها وهواها. وهو كالطعام اللذيذ الملائم، وفيه السُّمُّ الناقع.
وَمَن أسخطك بما ينفعك في دينك- مثل التنبيه على العيوب والنقائص التي هي فيك- فهو لك ولي وإن كرهته بطبعك. ومثَلُه كالدَّواء المُرِّ الذي يكون في ضمنه العافية والشفاء.
وقال: من احبَّ أن يذكره الناس ويثنوا عليه بشيء من الكمال، وهو يعلم من نفسه خلافه. وكره أن يذموه بأمر يعلم من نفسه انطواءَ هُ عليه، حتى يصير يفرح ويميل إلى من يمدحه، وينفر ويكره من يذمه، فقد عظمت حماقته وتمت غباوته.
وقال: الإيمان شجرة ثابتة في أرض القلب، والاعتـقادات والمعارف الإيمانية بمنزلة الأصول والعروق لتلك الشجرة، والأخلاق المحمودة والأعمال الصالحة بمنزلة الفروع والغصون لها.
ومثال الموت، وما يعرض عنده من الفتن، ويحصل بواسطته من شدة الألم، كالسيل القوي الذي يجري على أصول هذه الشجرة، أو الريح المزعزعة التي تحرك فروعها، وتميل بها يميناً وشمالاً.
فإن لم تكن هذه الشجرة الشريفة، في نهاية القوة، والنمو، والرسوخ، فروعاً وأصولاً، خيف عليها الانقلاع في ذلك الوقت.
ومن أجل ذلك، اشتد خوف الأكابر من سوء الخاتمة، وزيغ القلب عند الموت.
ثم إن القوادح والعوارض التي تعرض لأصولها، من البدع والشكوك، والاضطراب في أمر الآخرة، يجري مجرى ما يعرض في أصول الشجر من الآفات والأخلاق المذمومة، و المعاصي تجري منها مجرى ما يقع لفروع الشجرة وأغصانها من العوارض.
فلا جرم أن كان الذي يقدح في الأصل ويوهنه، أضر على الشجرة كثيراً من الذي يقع على الفروع.
ولهذا عظم أمر البدعة والشك في اليوم الآخر. وكان على صاحبه أضر من المعاصي والمحرمات.
نسأل الله العافية، والوفاة على الإسلام.
وقال رضي الله عنه ونفع به: الدنيا تنادي على نفسها بلسان الحال، خطاباً للراغبين فيها: احذروني فإنني فتنة، وخذوا مني زاد الآخرة. وامتثلوا أمر الله لكم، في ترككم إياي. واعتبروا بمن مضى من قبلكم، من الزاهدين فيَّ والمتمتعين بي. وانظروا في سِيَرِهم، وكيف ذهبوا وانقلبوا إلى الآخرة. الزاهدون منهم بنعيم لا ينقضي، وأهل الحرص بحسرة لا تنقطع.
وقال: الكمال أربعة أجزاء:
العلم، وبه يُعرَف حق الله تعالى. والعمل بالعلم، وهو القيام بأمر الله.
والإخلاص في العلم والعمل، وهو تصفية ما لله.
والبراءة من الحول والقوة، وهو الاعتماد على الله.
فمن عرف حق الله، وقام بأمر الله، وصفى ما لله، واعتمد على الله، فهو الإنسان المرتَضى، الولي لله المجتَبى.
وقال رضي الله عنه: السماع يشفي السقيم، ويحيي الرميم، إذا وقع من أهله مع أهله في الوقت القابل لذلك، والمحل اللائق به. وهو فتنة على المستمع بالحظ والهوى، وعلى المسمـِّع على هذا الوجه.
وقال: لا بد للإنسان في الوصول إلى سعادات الآخرة من أمرين:
أحدهما: الهداية والتوفيق من الله. وهو بمنزلة الغيث الذي يصيب الأرض.
والثاني: السعي إلى الله على منهاج الاستقامة، وهو بمنزلة الحرث للأرض، وتعهدها بما تحتاج إليه من البذر، والتربية والحفظ، وتنحية المؤذي، إلى غير ذلك.
فحرث الأرض دون أن يصيبها السيل عناءٌ وتعبٌ بلا حاصل. وإصابة السيل لها مع ترك الحرث إضاعة.
فالتوفيق من الله كالغيث، ليس للعبد فيه مدخل، وذلك هو الحقيقة. والسعي والاجتهاد الذي هو بمنزلة حرث الأرض وتعهدها إلى العبد، وهو كسبه، وعنه يُسأل، وعليه يُجزى، وذلك هو الشريعة.